الأحد، 25 نوفمبر 2012

ذكر الجب الذي كان في الجاهلية في الكعبة, ومال الكعبة الذي يهدى لها, وما جاء في ذلك:

    ذكر الجب الذي كان في الجاهلية في الكعبة, ومال الكعبة الذي يهدى لها, وما جاء في ذلك:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي, عن مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، قال: كان في الكعبة على يمين من دخلها جب عميق حفره إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل -عليهما السلام- حين رفعا القواعد، وكان يكون فيه ما يهدى للكعبة من حلي أو ذهب أو فضة أو طيب أو غير ذلك، وكانت الكعبة ليس لها سقف، فسرق منها على عهد جرهم مال مرة بعد مرة، وكانت جرهم ترتضي لذلك رجلًا يكون عليه يحرسه، فبينا رجل ممن ارتضوه عندها إذ سولت له نفسه فانتظر حتى إذا انتصف النهار، وقلصت الظلال، وقامت المجالس، وانقطعت الطرق، ومكة إذ ذاك شديدة الحر، فبسط رداءه، ثم نزل في البئر فأخرج ما فيها فجعله في ثوبه، فأرسل الله -عز وجل- حجرًا من البئر فحبسه حتى راح الناس، فوجدوه فأخرجوه، وأعادوا ما وجدوا في ثوبه في البئر، فسميت تلك البئر الأخسف.
فلما أن خسف بالجرهمي وحبسه الله عز وجل، بعث الله عند ذلك ثعبانًا وأسكنه في ذلك الجب في بطن الكعبة أكثر من خمسمائة سنة يحرس ما فيه، فلا يدخله أحد إلا رفع رأسه وفتح فاه، فلا يراه أحد إلا ذعر منه، وكان ربما يشرف على جدار الكعبة، فأقام كذلك في زمن جرهم وزمن خزاعة وصدرًا من عصر قريش، حتى اجتمعت قريش في الجاهلية على هدم البيت

ص -194-      وعمارته، فحال بينهم وبين هدمه حتى دعت قريش عند المقام عليه والنبي -صلى الله عليه وسلم- معهم وهو يومئذ غلام لم ينزل عليه الوحي بعد، فجاء عقاب فاختطفه ثم طار به نحو أجياد الصغير.
قال: حدثني جدي: قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو بن عبيد, عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن لا أدع في الكعبة صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها؛ فقال له أبي بن كعب: والله ما ذلك لك. فقال عمر: لم؟ فقال: إن الله عز وجل قد بين موضع كل شيء, وأقره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال عمر: صدقت.
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة, عن سفيان بن سعيد الثوري, عن واصل الأحدب, عن أبي وائل شقيق بن سلمة، قال: جلست إلى شيبة بن عثمان في المسجد الحرام، فقال: جلس إلي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مجلسك هذا، فقال: لقد هممت أن لا أترك فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها -يعني الكعبة- قال شيبة: فقلت له: إنه قد كان لك صاحبان لم يفعلاه، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه- فقال عمر: هما المرآن أقتدي بهما.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن إبراهيم بن ميسرة, عن رجل عن الحسين بن علي أن عمر -رضي الله عنه- قال لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه: لقد هممت أن أقسم هذا المال -يعني مال الكعبة- فقال له علي: إن استطعت ذلك. فقال عمر: وما لي لا أستطيع ذلك أولا تعينني على ذلك؟ فقال علي: إن استطعت ذلك، فرددها عمر ثلاثًا، فقال علي -رضي الله عنه: ليس ذلك إليك، فقال عمر: صدقت.
وحدثني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن أشياخه، قالوا: قال عمر -رضي الله عنه: لقد هممت أن لا أترك في الكعبة شيئًا إلا قسمته؛ فقال له أبي بن كعب: والله ما ذلك لك؛ قال: ولم؟ قال: قرر الله موضع كل مال

ص -195-      وأقره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: صدقت.
وكان ابن عباس يقول: سمعت عمر -رضي الله عنه- يقول: إن تركي هذا المال في الكعبة لا آخذه فأقسمه في سبيل الله تعالى وفي سبيل الخير، وعلي بن أبي طالب يسمع ما يقول، فقال: ما تقول يابن أبي طالب؟ أحلف بالله لئن شجعتني عليه لأفعلن. قال: فقال له علي: أتجعله فيئا وأحرى صاحبه  رجل يأتي في آخر الزمان ضرب أدم طويل، فمضى عمر، قال: وذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد في الجب الذي كان في الكعبة سبعين ألف أوقية من ذهب مما كان يهدى إلى البيت، وأن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قال: يا رسول الله, لو استعنت بهذا المال على حربك، فلم يحركه، ثم ذكر لأبي بكر فلم يحركه.
حدثني محمد بن يحيى قال: حدثني بعض الحجبة في سنة ثمان وثمانين ومائة، أن ذلك المال بعينه في  خزانة الكعبة، ثم لا أدري ما حاله بعد، حدثني جدي وغيره من مشيخة أهل مكة وبعض الحجبة: أن الحسين بن الحسن العلوي عمد إلى خزانة الكعبة في سنة مائتين في الفتنة حين أخذ الطالبيون مكة، فأخذ مما فيها مالًا عظيمًا وانتقله إليه؛ وقال: ما تصنع الكعبة بهذا المال موضوعًا لا ينتفع به؟ نحن أحق به نستعين به على حربنا1.
حدثني جدي قال: سمعت عبد الله بن زرارة بن مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان، يقول: حضرت الوفاة فتى منا من أصحابنا من الحجبة بالبوباة2 من قرن، فاشتد عليه الموت جدا، فمكث أيامًا ينزع نزعًا شديدًا حتى رأوا منه ما غمهم وأحزنهم من شدة كربه، فقال له أبوه: يا بني لعلك  أصبت من هذا الأبرق شيئًا -يعني مال الكعبة- قال: نعم يا أبت، أربعمائة دينار، فقال أبوه:  اللهم، إن هذه الأربعمائة دينار علي في أنضر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 265.
2 اسم لصحراء بأرض تهامة.

ص -196-      مالي للكعبة، ثم انحرف إلى أصحابه فقال: اشهدوا أن للكعبة علي أربعمائة دينار في أنضر مالي أؤديها إليها، قال: فسري عنه, ثم لم يلبث الفتى أن مات1.
قال أبو الوليد: وسمعت يوسف بن إبراهيم بن محمد العطار يحدث عن عبد الله بن زرارة، أن مال الكعبة كان يدعى الأبرق ولم يخالط مالا قط إلا محقه، ولم يرزأ أحد منه قط من أصحابنا إلا بان  النقص في ماله، وأدنى ما يصيب صاحبه أن يشدد عليه الموت، قال: ولم يزل من مضى من مشيخة الحجبة يحذرونه أبناءهم ويخوفونهم إياه ويوصونهم بالتنزه عنه، ويقولون: لن تزالوا بخير ما دمتم أعفة عنه, وإن كان الرجل ليصيب منه الشيء فيضعه عند الناس.
حدثني مسافع بن عبد الرحمن الحجبي قال: لما بويع بمكة لمحمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين  بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- في الفتنة في سنة مائتين حين ظهرت المبيضة2 بمكة, أرسل إلى الحجبة فتسلف منهم من مال الكعبة خمسة آلاف دينار، وقال: نستعين بها على أمرنا، فإذا أفاء الله علينا رددناها في مال الكعبة، فدفعوا إليه وكتبوا عليه بذلك كتابًا, وأشهدوا فيه شهودًا، فلما خلع نفسه ورفع إلى أمير المؤمنين المأمون، تقدم الحجبة واستعدوا عليه عند أمير المؤمنين، فقضاهم أمير المؤمنين المأمون عن محمد بن جعفر خمسة آلاف دينار وكتب لهم بها إلى إسحاق بن عباس بن عباد بن محمد وهو والٍ على اليمن، فقبضتها الحجبة وردوها في خزانة الكعبة.
حدثني جدي, قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 194.
2 المبيضة: فرقة من الثنوية، وهم أصحاب المقنع، سموا بذلك لتبييضهم ثيابهم, مخالفة للمسودة العباسيين، وكذلك كان يطلق على كل جماعة خارجة على الدولة العباسية.

ص -197-      أيوب بن موسى عن سعيد بن يسار الخزاعي عن ابن عمر، أنه كان في دار خالد بن أسيد بمكة، فجاءه رجل فقال: أرسل معي بحلي إلى الكعبة، فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق، قال: ما أحمقكم يا أهل العراق, أما فيكم مسكين؟ أما فيكم يتيم؟ أما فيكم فقير؟ إن كعبة الله لغنية عن الذهب والفضة, ولو شاء الله لجعلها ذهبًا وفضة. قال ابن يسار: فكان معي حلي بعثت بها إلى الكعبة فقلت له: وأنا مستحي، فقال: وأنت أيضًا، ثم قال لي كما قال للآخر.
ذكر من كسا الكعبة في الجاهلية:
حدثنا عم أبي أبو محمد قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى, عن همام بن منبه, عن أبي هريرة, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن سب أسعد الحميري وهو تبع، وكان هو أول من كسا الكعبة.
وحدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن محمد بن إسحاق قال: بلغني عن غير واحد من أهل العلم أن أول من كسا الكعبة كسوة كاملة تُبَّع وهو أسعد, أرى في النوم أنه يكسوها فكساها الأنطاع, ثم أرى أن يكسوها فكساها الوصائل ثيابا حبرة من عصب اليمن وجعل لها بابًا يغلق, وقال أسعد في ذلك:
وكسونا البيت الذي حرم اللـ        ـه ملاء معضدًا وبرودا
وأقمنا به من الشهر عشرًا          وجعلنا لبابه إقليدا
وخرجنا منه نؤم سهيلا              قد رفعنا لواءنا معقودا1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سيرة ابن هشام 1/ 25 وهامش 4.

ص -198-      وحدثني محمد بن يحيى قال: حدثني سليم بن مسلم, عن ابن جريج أنه كان يقول: أول من كسا الكعبة كسوة كاملة تبع, كساها العصب وجعل لها بابًا يغلق.
حدثني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن أفلح بن حميد, عن أبيه, عن النوار بنت مالك بن صرمة أم زيد بن ثابت قالت: رأيت على الكعبة قبل أن ألد زيد بن ثابت وأنا به نسء, مطارف خز خضراء وصفراء, وكرارًا, وأكسية من أكسية الأعراب وشقاق شعر, الكرار: الخيش الرقيق واحدها: كر.
حدثني جدي أحمد بن محمد, عن الواقدي, عن عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة, عن هلال بن أسامة, عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم السلمي قال: نذرت أمي بدنة تنحرها عند البيت وجللتها شقتين من شعر ووبر, فنحرت البدنة وسترت الكعبة بالشقتين والنبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذ بمكة لم يهاجر, فأنظر إلى البيت يومئذ وعليه كسًا شتى من وصائل وأنطاع وكرار وخز ونمارق عراقية -أي ميسانية- كل هذا قد رأيته عليه.
وحدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن ابن جريج, عن ابن أبي مليكة أنه قال: بلغني أن الكعبة كانت تكسى في الجاهلية كسا شتى, كانت البدنة تجلل الحبرة والبرود والأكسية وغير ذلك من عصب اليمن وكان هذا يهدى للكعبة سوى جلال البدن هدايا من كسا شتى خز وحبرة وأنماط فيعلق فتكسى منه الكعبة ويجعل ما بقي في خزانة الكعبة، فإذا بلي منها شيء أخلف عليها مكانه ثوب آخر ولا ينزع مما عليها شيء من ذلك, وكان يهدى إليها خلوق ومجمر, وكانت تطيب بذلك في بطنها ومن خارجها.
وحدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: كانت قريش في الجاهلية ترافد في كسوة الكعبة، فيضربون ذلك على القبائل بقدر احتمالها، من عهد قصي بن كلاب حتى نشأ أبو ربيعة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان يختلف إلى اليمن يتجر بها

ص -199-      فأثري في المال، فقال لقريش: أنا أكسو وحدي الكعبة سنة وجميع قريش سنة، فكان يفعل ذلك حتى مات, يأتي بالحبرة الجيدة من الجند1 فيكسوها الكعبة فسمته قريش العدل؛ لأنه عدل فعله بفعل قريش كلها, فسموه إلى اليوم العدل ويقال لولده: بنو العدل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجند: من أرض السكاسك باليمن.
ذكر كسوة الكعبة في الإسلام, وطيبها, وخدمها, وأول من فعل ذلك:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا أبي, عن خالد, عن ابن المهاجر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس يوم عاشوراء فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "هذا يوم عاشوراء, يوم تنقضي فيه السنة، وتستر فيه الكعبة، وترفع فيه الأعمال، ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم, فمن أحب منكم أن يصوم فليصم".
وحدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن ابن جريج قال: كانت الكعبة فيما مضى إنما تكسى يوم عاشوراء، إذا ذهب آخر الحاج حتى كان بنو هاشم، فكانوا يعلقون عليها القمص يوم التروية من الديباج؛ لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالا، فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار.
حدثني جدي, عن ابن عيينة, عن إسماعيل بن أمية, عن نافع قال: كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحبرة، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها, فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها على الكعبة.

ص -200-      وأخبرني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة, عن أبيه قال: كسي البيت في الجاهلية الأنطاع, ثم كساه النبي -صلى الله عليه وسلم- الثياب اليمانية، ثم كساه عمر وعثمان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج, ويقال: أول من كساه الديباج يزيد بن معاوية, ويقال: ابن الزبير، ويقال: عبد الملك بن مروان، وأول من خلق جوف الكعبة ابن الزبير، وأول من دعا على الكعبة عبد الله بن شيبة ويلقب الأعجم, فدعا لعبد الملك بن هشام وكان خليفة.
حدثني محمد بن يحيى, عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى, عن حبيب بن أبي ثابت قال: كسا النبي -صلى الله عليه وسلم- الكعبة، وكساها أبو بكر، وعمر -رضي الله عنهما.
وأخبرني محمد بن يحيى، قال: حدثنا سليم بن مسلم, عن موسى بن عبيدة الربذي أن عمر بن الخطاب كسا الكعبة القباطي من بيت المال.
قال أبو الوليد: وحدثني جدي قال: حدثني سعيد بن سالم, عن ابن أبي نجيح, عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كسا الكعبة القباطي من بيت المال، وكان يكتب فيها إلى مصر تحاك له هناك، ثم عثمان من بعده، فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين: كسوة عمر القباطي، وكسوة ديباج، فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان للفطر, وأجرى لها معاوية وظيفة من الطيب لكل صلاة, وكان يبعث بالطيب والمجمر والخلوق في الموسم وفي رجب, وأخدمها عبيدًا بعث بهم إليها فكانوا يخدمونها, ثم اتبعت ذلك الولاة بعده.
وحدثني جدي, عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة, عن أمه, عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كسوة البيت على الأمراء.
وحدثني جدي, عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني هشام


ص -201-      ابن عروة أن عبد الله بن الزبير كسا الكعبة الديباج.
وحدثني محمد بن يحيى, عن سليم بن مسلم, عن ابن جريج قال: كان معاوية أول من طيب الكعبة بالخلوق والمجمر, وأجرى الزيت لقناديل المسجد من بيت المال.
وأخبرني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن عبد العزيز بن المطلب, عن إسحاق بن عبد الله, عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كان الناس يهدون إلى الكعبة كسوة ويهدون إليها البدن عليها الحبرات, فيبعث بالحبرات إلى البيت كسوة، فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخسرواني, فلما كان ابن الزبير اتبع أثره فكان يبعث إلى مصعب بن الزبير بالكسوة كل سنة, فكانت تكسى يوم عاشوراء.
وأخبرني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن عبد الله بن عمر, عن نافع قال: كان ابن عمر يجلل بدنة بالأنماط, فإذا نحرها بعث بالأنماط إلى الحجبة فيجعلونها على الكعبة قبل أن تكسى الكعبة.
وأخبرني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن أشياخه قالوا: فلما ولي عبد الملك بن مروان كان يبعث كل سنة بالديباج فيمر به على المدينة فينشر يومًا في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأساطين ههنا وههنا, ثم يطوى ويبعث به إلى مكة, وكان يبعث بالطيب إليها وبالمجمر وإلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم كان أول من أخدم الكعبة يزيد بن معاوية, وهم الذين يسترون البيت.
حدثني جدي قال: كانت الكعبة تكسى في كل سنة كسوتان: كسوة ديباج، وكسوة قباطي؛ فأما الديباج فتكساه يوم التروية فيعلق عليها القميص ويدلى ولا يخاط, فإذا صدر الناس من منى خيط القميص وترك الإزار حتى تذهب الحجاج لئلا يخرقوه, فإذا كان العاشوراء علق عليها الإزار فوصل بالقميص فلا تزال هذه الكسوة الديباج عليها, حتى يوم سبعة وعشرين من شهر رمضان, فتكسى القباطي للفطر.

ص -202-      فلما كانت خلافة المأمون رفع إليه أن الديباج يبلى ويتخرق قبل أن يبلغ الفطر, ويرقع حتى يسمج، فسأل مباركا الطبري مولاه وهو يومئذ على بريد مكة وصوافيها: في أي الكسوة الكعبة أحسن؟ فقال له: في البياض, فأمر بكسوة من ديباج أبيض فعملت فعلقت سنة ست ومائتين وأرسل بها إلى الكعبة فصارت الكعبة تكسى ثلاث كسًا: الديباج الأحمر يوم التروية، وتكسى القباطي يوم هلال رجب، وجعلت كسوة الديباج الأبيض التي أحدثها المأمون يوم سبعة وعشرين من شهر رمضان للفطر, وهي تكسى إلى اليوم ثلاث كسًا، ثم رفع إلى المأمون أيضًا أن إزار الديباج الأبيض الذي كساها يتخرق ويبلى في أيام الحج من مس الحجاج قبل أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر الذي يخاط في العاشور, فبعث بفضل إزار ديباج أبيض تكساه يوم التروية أو يوم السابع فيستر به ما تخرق من الإزار الذي كسيته للفطر إلى أن يخاط عليها إزار الديباج الأحمر في العاشور، ثم رفع إلى أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله أن إزار الديباج الأحمر يبلى قبل هلال رجب من مس الناس وتمسحهم بالكعبة فزادها إزارين مع الإزار الأول, فأذال قميصها الديباج الأحمر وأسبله حتى بلغ الأرض؛ سئل أبو الوليد عن أذال فقال: أسبل؛ وقال الشاعر في معنى ذلك:
على ابن أبي العاصي دلاص حصينة      أجاد المسدى سردها فأذالها
ثم جعل فوقه في كل شهرين إزار, وذلك في سنة أربعين ومائتين لكسوة سنة إحدى وأربعين ومائتين, ثم نظر الحجبة فإذا الإزار الثاني لا يحتاج إليه فوضع في تابوت الكعبة وكتبوا إلى أمير المؤمنين أن إزارًا واحدًا مع ما أذيل من قمصها يجزيها, فصار يبعث بإزار واحد فتكساه بعد ثلاثة أشهر ويكون الذيل ثلاثة أشهر.
 قال أبو الوليد: ثم أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله عز وجل

ص -203-      بإذالة القميص القباطي, حتى بلغ الشاذروان الذي تحت الكعبة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: أطيب الكعبة أحب إلي من أن أهدي إليها ذهبًا وفضة.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: طيبوا البيت؛ فإن ذلك من تطهيره.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير خلق جوف الكعبة أجمع.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثنا هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير كان يجمر الكعبة كل يوم برطل من مجمر, ويجمر الكعبة كل يوم جمعة برطلين من مجمر.
ما جاء في تجريد الكعبة, وأول من جردها:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي, عن مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان ينزع كسوة البيت في كل سنة فيقسمها على الحاج, فيستظلون بها على السمر بمكة1.
حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: سمعت ابن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب "مخطوط".

ص -204-      أبي مليكة يقول: كانت على الكعبة كسًا كثيرة من كسوة أهل الجاهلية من الأنطاع والأكسية والكرار والأنماط, فكانت ركامًا بعضها فوق بعض, فلما كسيت في الإسلام من بيت المال كان يخفف عنها الشيء بعد الشيء، وكانت تكسى في خلافة عمر وعثمان -رضي الله عنهما- القباطي, يؤتى به من مصر، غير أن عثمان -رضي الله عنه- كساها سنة برودًا يمانية أمر بعملها عامله على اليمن يعلى بن منبه, فكان أول من ظاهر لها كسوتين، فلما كان معاوية كساها الديباج مع القباطي فقال شيبة بن عثمان: لو طرح عنها ما عليها من كسا الجاهلية فخفف عنها؛ حتى لا يكون مما مسه المشركون شيء لنجاستهم1, فكتب في ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام فكتب إليه أن جردها وبعث إليه بكسوة من ديباج وقباطي وحبرة، قال: فرأيت شيبة جردها حتى لم يترك عليها شيئًا مما كان عليها, وخلق جدراتها كلها وطيبها ثم كساها تلك الكسوة التي بعث بها معاوية إليها, وقسم الثياب التي كانت عليها على أهل مكة, وكان ابن عباس حاضرًا في المسجد الحرام وهم  يجردونها قال: فما رأيته أنكر ذلك ولا كرهه.
حدثني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن ابن جريج, عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق فخلقها وطيبها، قلت: وما تلك الثياب؟ قال: من كل نحو كرار وأنطاع وخير من ذلك, وكان شيبة يكسو منها حتى رأى على امرأة حائض من كسوته فدفنها في بيت حتى هلكت, يعني الثياب.
حدثني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن إبراهيم بن يزيد, عن ابن أبي مليكة قال: رأيت شيبة بن عثمان جرَّد الكعبة, فرأيت عليها كسوة شتى: كرارًا وأنطاعًا ومسوحًا وخيرًا من ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل, وفي أ، ب: "لنحاسيتهم".

ص -205-      حدثنا محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة, عن هلال بن أسامة, عن عطاء بن يسار قال: قدمت مكة معتمرًا فجلست إلى ابن عباس في صفة زمزم, وشيبة بن عثمان يومئذ يجرد الكعبة. قال عطاء بن يسار: فرأيت جدارها ورأيت خلوقها وطيبها, ورأيت تلك الثياب التي أخبرني عمر بن الحكم السلمي أنه رآها في حديث نذر أمه البدنة قد وضعت بالأرض, فرأيت شيبة بن عثمان يومئذ يقسمها أو قسم بعضها فأخذت يومئذ كساء من نسج الأعراب فلم أر ابن عباس أنكر شيئًا مما صنع شيبة بن عثمان. قال عطاء بن يسار: وكانت قبل هذا لا تجرد, إنما يخفف عنها بعض كسوتها وتترك عليها, حتى كان شيبة بن عثمان أول من جردها وكشفها.
وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا هشام بن سليمان المخزومي, عن ابن جريج, عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة أنه قال: جرد شيبة بن عثمان الكعبة قبل الحريق من ثياب كان أهل الجاهلية كسوها إياها, ثم خلقها وطيبها قلت: وما كانت تلك الثياب؟ قال: من كل، كرارًا وأنطاعًا وخيرًا من ذلك, وكان شيبة يقسم تلك الثياب فرأى على امرأة حائض ثوبًا من كسوة الكعبة, فرفعه شيبة فأمسك ما بقي من الكسوة حتى هلكت, يعني الثياب.
حدثني جدي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة, عن أمه, عن عائشة أم المؤمنين أن شيبة بن عثمان دخل على عائشة فقال: يا أم المؤمنين, تجتمع عليها الثياب فتكثر فيعمد إلى بيَّار فيحفرها ويعمقها, فتدفن فيها ثياب الكعبة لكي لا تلبسها الحائض والجنب  قالت عائشة: ما أصبت, وبئس ما صنعت, لا تعد لذلك فإن ثياب الكعبة إذا نزعت عنها لا يضرها من لبسها من حائض أو جنب, ولكن بعها واجعل ثمنها في سبيل الله تعالى والمساكين وابن السبيل.
وأخبرني محمد بن يحيى، عن الواقدي، عن موسى بن ضمرة بن سعيد

ص -206-      المازني, عن عبد الرحمن بن محمد, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: قال: رأيت شيبة بن عثمان يسأل ابن عباس عن ثياب الكعبة, ثم ساق مثل حديث عائشة فقال له ابن عباس مثل ما قالت عائشة -رضي الله عنها.
وأخبرني محمد بن يحيى, عن الواقدي, عن خالد بن إلياس, عن الأعرج عن فاطمة الخزاعية قالت: سألت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقالت: "إذا نزعت عنها ثيابها فلا يضرها من لبسها من الناس, من حائض أو جنب".
قال أبو الوليد: سمعت غير واحد من مشيخة أهل مكة يقول: حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة فجرد الكعبة, وأمر بالمسجد الحرام فهدم, وزاد فيه الزيادة الأولى.
وأخبرني عبد الله بن إسحاق الحجبي, عن جدته فاطمة بنت عبد الله قالت: حج المهدي فجرد الكعبة, وطلى جدرانها من خارج بالغالية والمسك والعنبر قالت: فأخبرني جدك -تعني زوجها محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الحجبي- قال: صعدنا على ظهر الكعبة بقوارير من الغالية, فجعلنا نفرغها على جدرات الكعبة من خارج من جوانبها كلها, وعبيد الكعبة قد تعلقوا بالبكرات التي تخاط عليها ثياب الكعبة, ويطلون بالغالية جدراتها من أسفلها إلى أعلاها1؛ قال أبو محمد الخزاعي: أنا رأيتها وقد غير الجدر الذي بناه الحجاج مما يلي الحجر, وقد انفتح من البناء الأول الذي بناه ابن الزبير مقدار أصبع من دبرها ومن وجهها, وقد رهم بالجص الأبيض.
حدثني جدي قال: حج المهدي أمير المؤمنين سنة ستين ومائة فرفع إليه أنه قد اجتمع على الكعبة كسوة كثيرة حتى إنها قد أثقلتها ويخاف على جدراتها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عرف الطيب "مخطوط".

ص -207-      من ثقل الكسوة, فجردها حتى لم يبق عليها من كسوتها شيئًا ثم ضمخها من خارجها وداخلها بالغالية والمسك والعنبر, وطلى جدراتها كلها من أسفلها إلى أعلاها من جوانبها كلها, ثم أفرغ عليها ثلاث كسا من قباطي وخز وديباج, والمهدي قاعد على ظهر المسجد مما يلي دار الندوة ينظر إليها وهي تطلى بالغالية وحين كسيت ثم لم يحرك ولم يخفف عنها من كسوتها الشيء, حتى كان سنة المائتين وكثرت الكسوة أيضًا عليها جدا, فجردها حسين بن حسن الطالبي في الفتنة وهو يومئذ قد أخذ مكة ليالي دعت المبيضة إلى أنفسها, وأخذوا مكة فجردها حتى لم يبق عليها من كسوتها شيئًا، قال جدي: فاستدرت بجوانبها وهي مجردة فرأيت حدات الباب الذي كان ابن الزبير جعله في  ظهرها وسده الحجاج بأمر عبد الملك, فرأيت حداته وعتبه على حالها, وعددت حجارته التي سد بها فوجدتها ثمانية وعشرين حجرًا في تسعة مداميك, في كل مدماك ثلاثة أحجار إلا المدماك الأعلى, فإن فيه أربعة أحجار, رأيت الصلة التي بنى الحجاج مما يلي الحجر حين هدم ما زاد ابن الزبير قال: فرأيت تلك الصلة بينة في الجدر وهي كالمتبرية من الجدر الآخر، قال إسحاق: ورأيت جدراتها كلون العنبر الأشهب حين جردت في آخر ذي الحجة من سنة ثلاث وستين ومائتين, وأحسبه من تلك الغالية، قال: وكان تجريد الحسين بن الحسن إياها أول يوم من المحرم, يوم السبت سنة مائتين، ثم كساها حسين بن حسن كسوتين من قز رقيق, إحداهما صفراء والأخرى بيضاء, مكتوب بينهما: بسم الله الرحمن الرحيم, وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأخيار, أمر أبو السرايا الأصفر بن الأصفر داعية آل محمد1 بعمل هذه الكسوة لبيت الله الحرام2.
قال أبو الوليد: وابتدأت كسوتها من سنة المائتين, وعدتها إلى سنة أربع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تحرف في أ، ب إلى: "إلى محمد" وصوابه من الأصل، وعرف الطيب وهو ينقل عن المصنف.
2 عرف الطيب "مخطوط".

ص -208-      وأربعين ومائتين مائة وسبعون ثوبًا. قال محمد الخزاعي: وأنا رأيتها وقد عمر الجدر الذي بناه الحجاج مما يلي الحجر, فانفتح من البناء الأول الذي بناه ابن الزبير مقدار نصف أصبع من وجهها ومن دبرها وقد رهم بالجص الأبيض, وقد رأيتها حين جردت في آخر ذي الحجة سنة ثلاث وستين ومائتين, فرأيت جدراتها كلون العنبر الأشهب من تلك الغالية.
ما جاء في دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- المفتاح إلى عثمان بن طلحة:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي وإبراهيم بن محمد الشافعي, عن مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن شهاب الزهري قال: دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة فقال: "ها يا عثمان, غيبوه" قال: فخرج عثمان إلى الهجرة وخلفه شيبة فحجب.
وأخبرني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن جريج أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"خذوها يا بني أبي طلحة, خذوا ما أعطاكم الله ورسوله تالدة خالدة, لا ينزعها منكم إلا  ظالم".
وأخبرني جدي, عن سعيد بن سالم, عن ابن جريج, عن مجاهد في قوله عز وجل:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] قال: نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة حين قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة ودخل به الكعبة يوم الفتح, فخرج وهو يتلو هذه الآية, فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: "خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله سبحانه, لا ينزعها منكم إلا ظالم".
قال: وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه: لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكعبة خرج وهو يتلو هذه الآية، فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك.

ص -209-      وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم, عن غالب بن عبيد الله أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: دفع النبي -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة يوم الفتح, ثم قال: "خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة, لا يظلمكموها إلا كافر" وسمعت غيره يقول: "إلا ظالم".
وأخبرني محمد بن يحيى قال: حدثنا سليم بن مسلم, عن عبد الوهاب بن مجاهد, عن أبيه قال: أنزل الله تعالى في الكعبة:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
حدثني جدي, عن محمد بن إدريس, عن الواقدي, عن أشياخه قالوا: انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح بعدما طاف على راحلته فجلس ناحية من المسجد والناس حوله, ثم أرسل بلالًا إلى عثمان بن طلحة فقال -صلى الله عليه وسلم:
"قل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تأتيه بمفتاح الكعبة" فجاء بلال إلى عثمان فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن تأتيه بمفتاح الكعبة فقال عثمان: نعم, فخرج إلى أمه سلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية ورجع بلال إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره أنه قال: نعم, ثم جلس بلال مع الناس فقال عثمان لأمه, والمفتاح يومئذ عندها: يا أمت أعطيني المفتاح؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلي وأمرني أن آتي به إليه, فقالت له أمه: أعيذك بالله أن تكون الذي تذهب بمأثرة قومك على يديك فقال: والله لتدفعنه أو ليأتينك غيري فيأخذه منك, فأدخلته في حجرها وقالت: أي رجل يدخل يده ههنا؟ فبينما هما على ذلك إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في الدار وعمر رافع صوته حين رأى إبطاء عثمان: يا عثمان اخرج، فقالت أمه: يا بني خذ المفتاح فلئن تأخذه أنت أحب إلي من أن يأخذه تيم وعدي, فأخذه عثمان فأتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- فناوله إياه, فلما ناوله إياه فتح الكعبة وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكعبة فغلقت عليه ومعه أسامة بن زيد، وبلال بن رباح، وعثمان بن طلحة فمكث فيها ما شاء الله وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، قال ابن عمر:

ص -210-      فسألت بلالا: أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل عمودين عن يمينه, وعمودًا عن يساره, وثلاثة وراءه، قالوا: ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمفتاح في يده ووقف على الباب خالد بن الوليد يذبّ الناس عن الباب, حتى خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
حدثني جدي, عن ابن إدريس, عن الواقدي قال: حدثني علي بن محمد بن عبد الله العمري عن منصور الحجبي عن أمه صفية بنة شيبة عن برة بنة أبي تجراه قالت: أنا أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين خرج من البيت فوقف على الباب, فأخذ بعضادتي الباب, فأشرف على الناس وفي يده المفتاح, ثم جعله في كمه -صلى الله عليه وسلم.
وحدثني جدي, عن محمد بن إدريس, عن الواقدي, عن أشياخه قالوا: فلما أشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد لبط بالناس حول الكعبة, خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبته وقد كتبناها في غير هذا الموضع من كتابنا بغير هذا الإسناد, ثم نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه المفتاح فتنحى ناحية من المسجد فجلس وكان قد قبض السقاية من العباس، وقبض المفتاح من عثمان بن طلحة, فلما جلس بسط العباس بن عبد المطلب يده فقال: بأبي وأمي يا رسول الله, اجمع لنا الحجابة والسقاية, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"أعطيكم ما ترزءون فيه, ولا أعطيكم ما ترزءون منه" ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ادع لي عثمان" فقام عثمان بن عفان فقال: ادع لي عثمان، فقام عثمان بن طلحة وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لعثمان بن طلحة يومًا وهو بمكة يدعوه إلى الإسلام ومع عثمان المفتاح فقال -صلى الله عليه وسلم: "لعلك سترى هذا المفتاح يومًا بيدي أضعه حيث شئت" فقال عثمان: لقد هلكت قريش يومئذ إذًا وذلت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "بل عزت وعمرت يومئذ يا عثمان" قال عثمان: فدعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أخذه المفتاح فذكرت قوله -صلى الله عليه وسلم- وما كان قال لي, فأقبلت فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر ثم قال: "خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة, لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله

ص -211-      سبحانه وتعالى استأمنكم على بيته, فخذوها بأمانة الله عز وجل" قال عثمان: فلما وليت ناداني فرجعت إليه فقال -صلى الله عليه وسلم: "ألم يكن الذي قلت لك؟" قال: فذكرت قوله بمكة فقلت: بلى أشهد أنك رسول الله, فأعطاه المفتاح والنبي -صلى الله عليه وسلم- مضطبع عليه بثوبه وقال عليه الصلاة والسلام: "غيبوه".
الصلاة في الكعبة, وأين صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- منها:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن أيوب السختياني, عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: أقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح على ناقة لأسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة ثم دعا بعثمان بن طلحة فقال:
"ائتني بالمفتاح" فذهب عثمان إلى أمه فأبت أن تعطيه إياه فقال: والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي أو ظهري، قال: فأعطته إياه، فجاء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فدفعه إليه ففتح الباب, فدخله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة فأجافوا عليهم الباب مليا ثم فتح الباب وكنت فتى قويا فبدرت فزحمت الناس, فكنت أول من دخل الكعبة, فرأيت بلالًا عند الباب فقلت له: أي بلال, أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: بين العمودين المقدمين, وكانت الكعبة على ستة أعمدة, قال ابن عمر: فنسيت أسأله: كم صلى صلى الله عليه وسلم؟1
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن, عن موسى بن عقبة, عن نافع قال: كان عبد الله بن عمر إذا دخل الكعبة مشى قبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل ظهره, فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه حين تدخل قريب من ثلاثة أذرع, فصلى وهو يتوخى المكان الذي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 225.

ص -212-      أخبره بلال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيه, وليس على أحد بأس أن يصلي في أي  جوانب البيت شاء1.
وحدثني جدي إبراهيم بن محمد الشافعي, عن مسلم بن خالد, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين, عن عطاء بن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن البصري وطاوس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل يوم الفتح البيت, فصلى فيه ركعتين, ثم خرج وقد لبط بالناس حول الكعبة.
وحدثني جدي, عن مسلم بن خالد, عن جعفر بن محمد, عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في الكعبة بين العمودين.
وحدثني جدي ويوسف بن محمد بن إبراهيم العطار -يزيد أحدهما على صاحبه في اللفظ والمعنى واحد- قالا: حدثنا عبد الله بن زرارة بن مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان عن أبيه, عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة, عن أخيه شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان قال: حج معاوية بن أبي سفيان وهو خليفة, فاشترى دار الندوة من ابن الرهين العبدري بمائة ألف درهم, فجاء شيبة بن عثمان فقال له: إن لي فيها حقا وقد أخذتها بالشفعة، فقال له معاوية: فأحضر المال قال: أروح به إليك العشية, وكان ذلك بعدما صدر الناس من الحج, وقد كان معاوية تهيأ للخروج إلى الشام فصلى معاوية بالناس العصر, ثم دخل الطواف فطاف بالبيت سبعًا, وصلى خلف المقام ركعتين ثم انصرف فدخل دار الندوة, فقام إليه شيبة حين أراد أن يدخل الدار فقال: يا أمير المؤمنين قد أحضرت المال قال: فاثبت حتى يأتيك رأيي2, فأجيف الباب وأرخي الستر، وركب معاوية من الدار دوابه3 وخرج من الباب الآخر [مسافرًا] ومضى معاوية إلى المدينة [وشيبة لا يشعر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 226.
2 كذا في الأصل، ومثله في إتحاف الورى، وفي بقية الأصول: "رأي".
3 كذا في الأصل، ومثله في إتحاف الورى، وفي بقية الأصول: "دؤابة".

ص -213-      به] فلم يزل شيبة جالسا بالباب حتى جاء المؤذن فسلم وأذنه بصلاة المغرب, فخرج والي مكة عبد الله بن خالد بن أسيد فقام إليه شيبة فقال: أين أمير المؤمنين؟ قال: قد راح إلى الشام، قال شيبة: والله لا كلمته أبدًا1.
فلما حج معاوية حجته الثانية بعث إلى شيبة أن يفتح له الكعبة, حتى يدخلها ويصلي فيها، قال شيبة بن جبير بن شيبة: فأرسلني جدي بالمفتاح وأنا غلام حدث وأبي شيبة بن عثمان أن يفتح له الباب ولم يأته ولم يسلم عليه قال شيبة بن جبير: فلما رآني معاوية استصغرني وقال: من أنت يا حبيب؟ قال: قلت: أنا شيبة بن جبير قال: لا بأس يابن أخي, غضب أبو عثمان شيبة مكان شيبة, ففتحت له الكعبة فلما دخل أجفت عليه الباب ولم يدخل معه الكعبة إلا حاجبه أبو يوسف الحميري, فبينا معاوية يدعو في البيت ويصلي إذا بحلقة باب الكعبة تحرك تحريكًا ضعيفًا فقال لي: يا شيبة انظر, هذا عثمان بن محمد بن أبي سفيان, فإن كان إياه فأدخله, ففتحت الباب فإذا هو هو فأدخلته ثم حركت الحلقة تحريكًا هو أشد من الأول فقال: انظر هذا الوليد بن عتبة بن أبي سفيان, فإن كان إياه فأدخله ففتحت فإذا هو هو فأدخلته, ثم قال لأبي يوسف الحميري: انظر عبد الله بن عمر, فإني رأيته آنفًا خلف المقام حتى أسأله: أين صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الكعبة؟ فقام أبو يوسف الحميري فجاء بعبد الله بن عمر فقال له معاوية: يا أبا عبد الرحمن أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام دخلها؟ قال: بين العمودين المقدمين, اجعل بينك وبين الجدر ذراعين أو ثلاثة, فبينا نحن كذلك إذ رج الباب رجًّا شديدًا وحركت الحلقة تحريكًا أشد من الأول, فقال معاوية [لشيبة]: انظر هذا عبد الله بن الزبير, فإن كان إياه فأدخله فنظرت فإذا هو هو فأدخلته, فأقبل على معاوية وهو مغضب فقال: إيها يابن أبي سفيان, ترسل إلى عبد الله بن عمر تسأله عن شيء أنا أعلم به منك ومنه, حسدًا لي ونفاسة علي، فقال له

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 34-35، وما بين حاصرتين منه.

ص -214-      معاوية: على رسلك يا أبا بكر, فإنما نرضاك لبعض دنيانا فصلى معه وخرج [قال شيبة] وخرجت معه فدخل زمزم فنزع منها دلوًا فشرب منه وصب باقيه على رأسه وثيابه, ثم خرج فمر بعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- خلف المقام في حلقة فنظر إليه محدقًا فقال له عبد الرحمن: ما نظرك إلي؟ فوالله لأبي خير من أبيك, ولأمي خير من أمك, ولأنا خير منك, فلم يجبه بشيء ومضى حتى دخل دار الندوة، فلما جلس في مجلسه قال: عجلوا علي بعبد الرحمن بن أبي بكر فقد رأيته خلف المقام قال: فأدخل عليه فقال: مرحبًا يابن الشيخ الصالح قد علمت أن الذي خرج منك آنفًا لجفائنا بك, وذلك لنأي دارنا عن دارك, فارفع حوائجك فقال: علي من الدين كذا، وأحتاج إلى كذا، وأجز لي كذا، وأقطعني كذا، فقال معاوية: قد قضيت جميع حوائجك قال: وصلتك حم يا أمير المؤمنين, إن كنت لأبرنا بنا وأوصلنا لنا1.
حدثني أحمد بن ميسرة المكي قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد, عن أبيه قال: حدثني نافع أن ابن عمر أخبره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة فجاء مسرعًا لينظر كيف  يصنع النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فجاء وعلى الباب زحام شديد فزاحم الناس حتى دخل فقال: وكان يومئذ شابا قويا فلما دخل لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- خارجًا قال: فسأل بلالًا وكان خلف النبي -صلى الله عليه وسلم: أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له بلال إلى السارية الثانية عند الباب قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن يمينها تقدم عنها شيئًا.
حدثني أحمد بن ميسرة, عن عبد المجيد بن عبد العزيز, عن أبيه قال: بلغني أن الفضل بن العباس -رضوان الله عليهما- دخل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يومئذ فقال: لم أره صلى فيها، فقال أبي: وذلك فيما بلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعانه لحاجة فجاء وقد صلى ولم يره، قال عبد المجيد: قال أبي: وذلك أنه بعثه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخبر بطوله لدى ابن فهد في إتحاف الورى 2/ 37-39 وما بين حاصرتين منه.

ص -215-      فجاء بذنوب من ماء زمزم ليطمس به الصور التي في الكعبة, فصلى خلفه فلذلك لم يره صلى.
وحدثني جدي ومحمد بن يحيى ومحمد بن سلمة, عن مالك بن أنس, عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فأغلقها عليه فمكث فيها، قال عبد الله بن عمر: سألت بلالا: ماذا صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة من ورائه, وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى.
وحدثني جدي, عن مسلم بن خالد, عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه رأى علي بن حسين يصلي في الكعبة.
وحدثني جدي, حدثنا مسلم بن خالد الزنجي قال: رأيت صدقة بن يسار يدخل البيت كلما فتح فقلت له: ما أكثر دخولك البيت يا أبا عبد الله! قال: والله إني لأجد في نفسي أن أراه مفتوحًا ثم لأصلي فيه.
حدثني جدي قال: أخبرنا مسلم بن خالد الزنجي, عن موسى بن عقبة قال: طفت مع سالم بن عبد الله بن عمر خمسة أسبع, كلما طفنا سبعًا دخلنا الكعبة فصلينا فيها ركعتين.
وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار, عن ابن جريج, عن نافع قال: كان ابن عمر إذا قدم مكة حاجًّا أو معتمرًا فوجد البيت مفتوحًا, لم يبدأ بشيء أول من أن يدخله.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان, عن مسعر, عن سماك الحنفي قال: سألت ابن عمر عن الصلاة في الكعبة فقال: صل فيها، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى فيها وستأتي آخر فينهاك فلا تطعه, يعني ابن عباس, فأتيت ابن عباس فسألته فقال: ائتم به كله ولا تجعلن شيئًا منه خلفك, وستأتي آخر فيأمرك به

ص -216-      فلا تطعه, يعني ابن عمر1.
حدثني جدي قال: حدثنا ابن عيينة, عن مسعر, عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: ليس من أمر حجك دخولك البيت.
قال: وحدثني جدي قال: سمعت سفيان يقول: سمعت غير واحد من أهل العلم يذكرون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح, ثم حج فلم يدخلها2.
قال: وحدثني جدي قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن قال: أوصاني عبد الكريم بن أبي المخارق أن لا أخرج من منزلي يوم الجمعة حتى أصلي ركعتين, ولا أدخل الكعبة حتى أغتسل.
وحدثني جدي قال: حدثنا سالم بن سالم البلخي قال: حدثنا ابن جريج أن عطاء جاء يومًا وقد فاتته الظهر مع الإمام, فدخل الكعبة وصلى في جوفها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 شفاء الغرام 1/ 232.
2 شفاء الغرام 1/ 230.
ما جاء في رقي بلال الكعبة, وأذانه عليها يوم الفتح1:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثنا عبد الجبار بن الورد المكي, عن ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح رقي بلال فأذن على ظهر الكعبة فقال بعض الناس: يا عباد الله, لهذا العبد الأسود أن يؤذن على ظهر الكعبة؟! فقال بعضهم: إن يسخط الله عليه هذا الأمر يغيره, فأنزل الله عز وجل:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية [الحجرات: 13].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر في ذلك: شفاء الغرام 1/ 212.

ص -217-      وأخبرني جدي، عن محمد بن إدريس الشافعي, عن الواقدي عن أشياخه قالوا: جاءت الظهر يوم الفتح فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالًا أن يؤذن بالظهر فوق ظهر الكعبة, وقريش فوق رءوس الجبال وقد فر وجوههم وتغيبوا خوفًا أن يقتلوا, فمنهم من يطلب الأمان، ومنهم من قد أمن, فلما أذن بلال رفع صوته كأشد ما يكون قال: فلما قال: أشهد أن محمدًا رسول الله تقول جويرية بنت أبي جهل: قد لعمري رفع لك ذكرك، أما الصلاة فسنصلي ووالله ما نحب من قتل  الأحبة أبدًا, ولقد جاء إلى أبي الذي كان جاء إلى محمد من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه، وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يسمع بهذا اليوم، وكان أسيد مات قبل الفتح بيوم.  وقال الحارث بن هشام: واثكلاه ليتني مت قبل أن أسمع بلالًا ينهق فوق الكعبة. وقال الحكم بن أبي العاص: هذا والله الحدث الجليل أن يصبح عبد بني جمح ينهق على بنية أبي طلحة، وقال سهيل بن عمرو: إن كان هذا سخطًا لله فسيغيره الله، وقال أبو سفيان بن حرب: أما أنا فلا أقول شيئًا، لو قلت شيئًا لأخبرته هذه الحصاة، فأتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره خبرهم, فأقبل حتى وقف عليهم فقال: "أما أنت يا فلان فقلت: كذا، وأما أنت يا فلان فقلت: كذا، وأما أنت يا فلان فقلت: كذا" فقال أبو سفيان: أما أنا يا رسول الله فما قلت شيئًا فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو الوليد: وكان بلال لأيتام من بني السباق بن عبد الدار أوصى به أبوهم إلى أمية بن خلف الجمحي وأمية الذي كان يعذبه, وكان اسم أخيه كحيل بن رباح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق