الجمعة، 21 سبتمبر 2012

مسجد السلطان حسن


  1. مسجد السلطان حسن






    زار الرئيس الأمريكي أوباما مصر، وتم اختيار أحد المعالم الإسلامية، على اعتبار أنه سيوجه خطابًا إلى العالم الإسلامي، وكان من الأماكن المرشحة الجامع الأزهر، والقلعة، وجامع محمد علي، لكن الأمر استقر على زيارة جامع ومدرسة السلطان حسن بميدان القلعة.


    هذا الاختيار كان مُوَفَّقًا لاعتبارات كثيرة لهذا الجامع، فهناك مقولة نتداولها نحن المختصين في مجال الآثار الإسلامية تقول: إذا كان لمصر الفرعونية أن تفخَر بأهراماتها فإن لمصر الإسلامية أن تتيه عجبًا بجامع السلطان حسن ومدرسته اللذين لا يضاهيهما أي أثر إسلامي آخر، وإذا كانت الأهرامات فخر الحضارة الفرعونية؛ فإن مدرسة السلطان حسن هي فخر الحضارة الإسلامية، وهذا الكلام ليس تحيُّزًا؛ ولكنه حقيقة أقرَّها المؤرِّخون والمعماريون؛ فقد حوى الجامع كل غريب وجديد وفريد في مجال العمارة، كما تمثلت فيه كل مقومات المدرسة الإسلامية من الناحية الدينية والمعمارية على السواء.





    فالجامع- بشهادة المؤرخين- لم يُبْنَ في الإسلام نظيره، ولا حاكاه معمار في حسن عمله، فهو أضخم مساجد العالم الإسلامي عمارةً، وأعلاها بنيانًا، وأكثرها فخامةً وأحسنها شكلاً، وأجمعها لمحاسن العمارة، وأدلُّها على عظم الهمَّة وغاية العناية التي بُذلت في إنشائه، وهو ما يؤكده المؤرِّخ المصري "المقريزي"؛ فعند وصفه للجامع في كتابه الخطط) ذكر أنه: لا يُعرَف في بلاد الإسلام معبدٌ (مسجد) من معابد المسلمين يحكي هذا الجامع، وذكر المقريزي أن في هذا الجامع عجائبَ من البنيان؛ منها أن مساحة إيوانه الكبير 60 ذراعًا في مثلها، وهو بذلك أكبر من إيوان كسرى بالمدائن من العراق بخمسة أذرع، وبالجامع القبة العظيمة التي لم يُبنَ بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها، وبه أيضًا المنبر الرخامي الذي لا نظير له.





    مُنشئ الجامع

    شيَّد هذا الجامع السلطان الناصر حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون، ويعتبر ملك مصر التاسع عشر من جنس الترك المماليك، والسابع من أولاد الناصر محمد بن قلاوون، تولَّى السلطنة مرتين؛ كانت أولاهما في رمضان سنة 748هـ، وكان عمره آنذاك 13 سنة؛ ولهذا تسلَّط عليه أمراء عصره الأكابر، وحينما شبَّ السلطان حسن بدأ يعصف بأمرائه؛ ولكنهم استطاعوا أن يعزلوه من السلطنة، بل ويحجرون عليه، ويعيِّنون بدلاً منه الملك الصالح أخيه، وذلك عام 752هـ، وظل محجورًا عليه لمدة ثلاثة أعوام حتى عام 755هـ حتى أعيد مرةً ثانيةً للسلطنة، فاستبدَّ بالملك، وبدأ يفتك بمن أساء إليه إلا أن قوة الأمراء غلبت عليه، واستطاع الأمير يلبغا اليحياوي نائب السلطنة أن يعصف به ويغتاله قرب المطرية بالقاهرة، وقيل إنه رمى بجثته في النيل، ولهذا لم يُعرَف له قبر، وكان عمره آنذاك بضعًا وثلاثين سنة.





    واتفق المؤرخون على أن السلطان حسن كان أشقر الشعر، بوجهه نمش، يميل جسمه إلى الطول، ويذكر "المقريزي" أنه كان ملكًا حازمًا، مَهيبًا، شجاعًا، صاحب حرمة وكلمة نافذة، لم يشرب الخمر، ولم يأتِ بفاحشة، واختلف عن كثير من ملوك وأمراء المماليك، ويصفه "ابن تغري بردي" في كتابه (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) بأنه كان مفرط الذكاء، عاقلاً فيه، رفيقًا بالرعية، متدينًا، شهمًا ولو وجد ناصرًا أو معينًا لكان أجلَّ الملوك.

  2. تاريخ عمارة الجامع




    بُدِئَ في عمارة هذا الجامع والذي قام بوظيفة المدرسة سنة 757-764هـ / 1356-1362م؛ حيث استمر العمل فيه دون انقطاع لمدة ثلاث سنوات لا تبطل يومًا واحدًا، ويذكر "المقريزي" أن السلطان حسن أرصد لمصروفه في كل يوم 20 ألف درهم ونحو ألف مثقال ذهبًا، وقد صرف على القالب الذي بُنِيَ عليه عقد إيوان الجامع الرئيسي 100 ألف درهم، ثم رمي على الكيمان بعد بناء العقد وقبو الإيوان، وكان من الطبيعي أن يكون هذا الإنفاق مرهقًا لميزانية الدولة، وهو ما اعترف به السلطان حسن نفسه.



    فينقل المقريزي عن أحد مَنْ لازموا السلطان حسن في بناء الجامع وهو الأمير مقبل الشامي أنه سمع السلطان حسن يقول: "لولا أن يقال إن ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صُرِف عليه"، وقد اجتمع على عمارته من المعماريِّين والصنَّاع الكثير حتى إنه لم يبقَ في القاهرة والفسطاط صانع له تعلُّق بالعمارة إلا واشتغل فيه، ومات السلطان حسن قبل أن يُتِمَّ بناءه، فقام الأمير بشير أغا الجمدار أحد أمرائه بإتمام البناء.





    التصميم المعماري للجامع


    يعتبر جامع السلطان حسن أروع الأمثلة في فنِّ العمارة الإسلامية عامةً والقاهرية خاصةً؛ فهو يشغل مساحةً كبيرةً من الأرض ما يقرب من فدانين؛ إذ تبلغ مساحته 7906 أمتار مربعة، وطوله 150 مترًا مربعًا، وعرضه 68 مترًا مربعًا، وارتفاعه عند المدخل الرئيسي 37.70 مترًا، ويعتبر مدخله الرئيسي من أعظم المداخل في العمائر الإسلامية، ولهذه المدرسة أربع واجهات رئيسية؛ أهمها الواجهة الشمالية الشرقية التي بها المدخل الرئيسي، وتطلُّ على الممر الفاصل حاليًّا بين الجامع وجامع الرفاعي، والواجهة الجنوبية تطلُّ على ميدان صلاح الدين، والواجهة الشرقية وبها القبة الضريحية تطلُّ على الميدان، أما الواجهة الغربية فتطلُّ على شارع المظفر، وقد بُنِيت الواجهات كلها من الحجر الجيري المستجلب من محاجر جبل المقطم.





    منظور لجامع السلطان حسن


    وتحتوي المدرسة على أربعة إيوانات؛ أكبرها إيوان القبلة والذي يبلغ عمقه حوالي 32.5م وفتحة عقده 19.20م سقف بقبو تكلف بناء قالبه- كما ذكرنا- 100 ألف درهم، وقد كُسيَتْ جدران الإيوان بوزرات رخامية؛ فُقِد حاليًّا معظمها، فيما عدا جدار القبلة ما زال محتفظًا برخامه، ويتصدر هذا الإيوان محراب مزخرف بالرخام متعدد الألوان، ويجاور المحراب منبر من الرخام يعتبر تحفة فنية رائعة؛ إذ إن له بابَين من النحاس المفرغ، كما تضمُّ المدرسة إلى جانب إيوان القبلة ثلاثة إيوانات أخرى مغطاة بأقبية، ويتوسط الإيوانات صحن مكشوف مساحته 34060م × 32م يتوسطه فسقية مُثمَّنة من الرخام معدة للوضوء.


    ويضم الجامع أربع مدارس فرعية خصصت كل مدرسة لتدريس مذهب من مذاهب الفقه الأربعة، وهي: المذهب الشافعي، والحنفي، والحنبلي، والمالكي، وتضمُّ كل مدرسة مجموعة كبيرة من الحجرات التي كانت معدة لسكن الطلاب والمدرسين المغتربين؛ سواءٌ من خارج مصر أو من الأقاليم المصرية.

    وكان مخططًا لهذه المدرسة أن تكون بأربع مآذن، وأتمَّ السلطان حسن قبل وفاته بناء المئذنتين الجنوبية والشرقية، وكذلك بُنيتْ المئذنة الثالثة إلا أنها سقطت عام 762هـ وأدت إلى كارثة رهيبة؛ حيث قتلت 300 طفل من أيتام المسلمين الذين كانوا يدرسون في كُتاب الجامع، ولم ينجُ منهم إلا ستة فقط، وهذا ما جعل السلطان حسن يتغاضى عن إكمال هذه المئذنة، وظل الجامع بمئذنتين هما الموجودتان حاليًّا، وملحق بالجامع قبة ضريحية يتوصل إليها عن طريق مدخلين عن يمين ويسار المحراب الرئيسي بإيوان القبلة، والقبة مربعة الشكل طول ضلعها 21م وارتفاعها إلى قمتها 48م، وقد أعدها السلطان ليدفن فيها؛ ولكن لما قتل لم يعثر على جثته، ودفن فيها ابنه المعروف بالشهابي أحمد.







    الجامع والأحداث السياسية

    أورد المؤرخون القدماء والمحدثون أن موقع جامع السلطان حسن في مواجهة القلعة وضخامته لعب دورًا خطيرًا في مصر، فكان إذا ما حدثت ثورة أو فتنة بين الأمراء والسلطة الحاكمة تكون القلعة هي الشغل الشاغل للثوار في محاولة للسيطرة على مقر الحكم بالقلعة، ومن ثم كان جامع السلطان حسن هو الطريق إلى تحقيق هذه الغاية، فكثيرًا ما اعتلى الثوَّار سطح الجامع ونصبوا مجانيقهم لضرب القلعة وهدمها على مَن فيها مثلما حدث في عصر السلطان برقوق عام 791هـ حين نصب الثوار المؤيدون لبيت أسرة قلاوون المِكحلة على سطح الجامع، وضربوا القلعة وأدى ذلك إلى عزل السلطان برقوق، ولهذا بادر عند عودته للسلطنة مرةً ثانيةً بهدم السلالم الموصلة لسطح الجامع، وسد الباب الرئيسي للجامع، وفتح بدلاً منه شبَّاكًا على ميدان القلعة ليكون بابًا للدخول إلى الجامع.


    ثم أعاد السلطان الأشرف برسباي ترميم سلالم الجامع، وسمح بالآذان من مآذنه، وأصلح الباب الرئيسي وذلك سنة 825هـ، ولكن عاد الأمراء الثوار سنة 842هـ الهجوم على القلعة مقر الحكم من سطح الجامع، فأمر السلطان جقمق آنذاك بهدم السلالم الموصلة لسطح الجامع، وفي عام 902هـ في سلطنة الناصر محمد بن قايتباي حوصرت القلعة من جامع السلطان حسن، وضربت من أعلاها ورد السلطة الحاكمة من القلعة وضرب الجامع، وتعرض للتخريب إلا أن الأمير طومان باي أصلح ما حدث من تخريب بالجامع، وحاول الأشرف جنبلاط هدم جامع السلطان حسن كلية؛ حتى لا يستخدمه الثوار لضرب القلعة؛ ولكنه لم يستطع أن ينقب إلا جزءًا يسيرًا منها خلف المحراب، ومن ثمَّ أوقف الهدم.


    الجامع منارة للعلم


    أوقف السلطان حسن الجامع، وألحق به أربع مدارس لتدريس المذاهب الإسلامية الشرعية، وجعل لكل مذهبٍ من الأربعة شيخًا، ومائة طالب من كل فرقة، 25 متقدمون، وثلاثة معيدون، ورتب لكل شيخ 300 درهم في الشهر، ولكل معيد 100 درهم، ولطلبة كل مذهب أربعة آلاف ومائتين وخمسين درهمًا تقريبًا شهريًّا، ويزيد الواحد من كل فرقة مرتبه الشهري 20 درهمًا برسم كونه نقيبًا عليهم، وكان يصرف لكل طالبٍ وجبة يومية وكسوة سنوية، وكانت هناك رعاية صحية للطلاب والمدرسين؛ حيث رتَّب السلطان حسن طبيبًا يباشر معالجة الطلاب والدارسين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق