الأحد، 25 نوفمبر 2012

باب ما جاء في إسكان إبراهيم ابنه إسماعيل وأمه هاجر في بدء أمره عند البيت الحرام كيف كان:

      باب ما جاء في إسكان إبراهيم ابنه إسماعيل وأمه هاجر في بدء أمره عند البيت الحرام كيف كان:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي قال: حدثني سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: حدثنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد أن الله تعالى لما بوأ لإبراهيم مكان البيت, خرج إليه من الشام وخرج معه ابنه إسماعيل وأمه هاجر، وإسماعيل طفل يرضع, وحُملوا فيما يحدثني على البراق.
قال عثمان بن ساج: وحدثنا عن الحسن البصري أنه كان يقول في صفة البراق عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إنه أتاني جبريل بدابة بين الحمار والبغل، لها جناحان في فخذيها تحفزانها, تضع حافرها في منتهى طرفها".
قال عثمان: قال محمد بن إسحاق: ومعه جبريل عليه السلام يدله على موضع البيت ومعالم الحرم قال: فخرج وخرج معه لا يمر إبراهيم بقرية من القرى إلا قال: يا جبريل أبهذه أمرت؟ فيقول له جبريل -عليه السلام: امضه, حتى قدم مكة وهي آنذاك عضاه من سلم وسمر وبها ناس يقال لهم: العماليق, خارجًا من مكة فيما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة. فقال إبراهيم لجبريل: أههنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم! قال: فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشًا ثم قال:
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: 37]. ثم انصرف إلى الشام وتركهما عند البيت الحرام.
وحدثني جدي قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن جريج, عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي, عن سعيد بن جبير قال: حدثنا عبد الله بن عباس أنه حين كان بين أم إسماعيل بن إبراهيم وبين

ص -31-         سارة امرأة إبراهيم ما كان, أقبل إبراهيم -عليه السلام- بأم إسماعيل وإسماعيل وهو صغير ترضعه, حتى قدم بهما مكة, ومع أم إسماعيل شنة فيها ماء تشرب منها وتدر على ابنها, وليس معها زاد. يقول سعيد بن جبير: قال ابن عباس: فعمد بهما إلى دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد -يشير لنا بين البئر وبين الصفة- يقول: فوضعهما تحتها، ثم توجه إبراهيم خارجًا على دابته واتبعت أم إسماعيل أثره حتى أوفى إبراهيم بكدا.
يقول ابن عباس: فقالت له أم إسماعيل: إلى من تتركها وابنها؟ قال: إلى الله عز وجل قالت: رضيت بالله.
فرجعت أم إسماعيل تحمل ابنها حتى قعدت تحت الدوحة فوضعت ابنها إلى جنبها, وعلقت شنتها تشرب منها وتدر على ابنها حتى فني ماء شنتها فانقطع درها, فجاع ابنها فاشتد جوعه حتى نظرت إليه أمه يتشحط قال: فحسبت أم إسماعيل أنه يموت فأحزنها.
يقول ابن عباس: قالت أم إسماعيل: لو تغيبت عنه حتى لا أرى موته، يقول ابن عباس: فعمدت أم إسماعيل إلى الصفا حين رأته مشرفًا تستوضح عليه -أي: ترى أحدًا بالوادي- ثم نظرت إلى المروة ثم قالت: لو مشيت بين هذين الجبلين تعللت, حتى يموت الصبي ولا أراه.
قال ابن عباس: فمشت بينهما أم إسماعيل ثلاث مرات أو أربعا, ولا تجيز بطن الوادي في ذلك إلا رملًا.
يقول ابن عباس: ثم رجعت أم إسماعيل إلى ابنها فوجدته ينشغ1 كما تركته فأحزنها, فعادت إلى الصفا تتعلل حتى يموت ولا تراه, فمشت بين الصفا والمروة كما مشت أول مرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى ابن الأثير في النهاية: "النشغ: الشهيق حتى يكاد يبلغ به الغشي. ومنه حديث أم إسماعيل: "فإذا الصبي ينشغ للموت" وقيل: معناه: يمتص بفيه.

ص -32-         يقول ابن عباس: حتى كان مشيها بينهما سبع مرات، قال ابن عباس: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم: "فلذلك طاف الناس بين الصفا والمروة".
قال: فرجعت أم إسماعيل تطالع ابنها فوجدته كما تركته ينشغ, فسمعت صوتًا فراث1 عليها ولم يكن معها أحد غيرها, فقالت: قد أسمع صوتك فأغثني إن كان عندك خير.
قال: فخرج لها جبريل -عليه السلام- فاتبعته حتى ضرب برجله مكان البئر -يعني: زمزم- فظهر ماء فوق الأرض حيث فحص جبريل.
يقول ابن عباس: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم:
"فحاضته أم إسماعيل بتراب ترده؛ خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بشنتها, فاستقت وشربت ودرت على ابنها".
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: بلغني أن ملكًا أتى هاجر أم إسماعيل حين أنزلها إبراهيم بمكة قبل أن يرفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت, فأشار لها إلى البيت وهو ربوة حمراء مدرة فقال لها: هذا أول بيت وضع للناس في  الأرض وهو بيت الله العتيق، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس.
قال ابن جريج: وبلغني أن جبريل -عليه السلام- حين هزم2 بعقبه3 في موضع زمزم، قال لأم إسماعيل, وأشار لها إلى موضع البيت: هذا أول بيت وضع للناس، وهو بيت الله العتيق, واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه للناس ويعمرانه فلا يزال معمورًا محرمًا مكرمًا إلى يوم القيامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، وهو الصواب. ولدى ابن الأثير في النهاية: "راث علينا خبر فلان يريث: إذا أبطأ" ومعه الحديث: "وعد جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيه فراث عليه" ورواية أ: "قرأت" وفي ب: "آب".
2 لدى ابن الأثير في النهاية "هزم" وفيه: "إن زمزم هزمة جبريل" أي: ضربها برجله فنبع الماء.
3 تحرف في "أ، ب" إلى "بعقبة".

ص -33-         قال ابن جريج: فماتت أم إسماعيل قبل أن يرفعه إبراهيم وإسماعيل, ودفنت في موضع الحجر.
حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني علي بن عبد الله بن الوازع, عن أيوب السختياني, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس أن الملك الذي أخرج زمزم لهاجر قال لها: وسيأتي أبو هذا الغلام فيبني بيتًا هذا مكانه, وأشار لها إلى موضع البيت ثم انطلق الملك.
ما ذكر من نزول جرهم مع أم إسماعيل في الحرم:
حدثني جدي, عن مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن جريج, عن كثير بن كثير, عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أخرج الله ماء زمزم لأم إسماعيل فبينا هي على ذلك إذ مر ركب من جرهم, قافلين من الشام في الطريق السفلى, فرأى الركب الطير على الماء فقال بعضهم: ما كان بهذا الوادي من ماء ولا أنيس!.
يقول ابن عباس: فأرسلوا جريين1 لهم حتى أتيا أم إسماعيل فكلماها ثم رجعا إلى ركبهما, فأخبراهم بمكانها.
قال: فرجع الركب كلهم حتى حيوها فردت عليهم وقالوا: لمن هذا الماء؟ قالت أم إسماعيل: هو لي، قالوا لها: أتأذنين لنا أن ننزل معك عليه؟ قالت: نعم.
يقول ابن عباس: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم: "ألفى2 ذلك أم إسماعيل وقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى ابن الأثير في النهاية: "جرا" وفي حديث أم إسماعيل: "فأرسلوا جريا" أي: رسولًا.
2 في أ، ب: "ألقى" بالقاف، والمثبت رواية الأصل وهي الصواب، وألفاه: وجده وصادفه.

ص -34-         أحبت الأنس فنزلوا وبعثوا إلى أهاليهم, فقدموا إليهم وسكنوا تحت الدوح، واعترشوا عليها العروش1 فكانت معهم هي وابنها، حتى ترعرع الغلام ونفسوا2 فيه وأعجبهم.
وتوفيت أم إسماعيل وطعامهم الصيد يخرجون من الحرم, ويخرج معهم إسماعيل فيصيد، فلما بلغ أنكحوه جارية منهم، قال: وهي في كتاب المبتدأ عن عباد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق: اسم امرأة إسماعيل: عمارة بنت سعيد بن أسامة.
يقول ابن عباس: فأقبل إبراهيم من الشام يقول: حتى أطالع تركتي, فأقبل إبراهيم -عليه السلام- حتى قدم مكة فوجد امرأة إسماعيل فسألها عنه فقالت: هو غائب، ولم تلن له في القول فقال لها إبراهيم: قولي لإسماعيل: قد جاء بعدك شيخ كذا وكذا وهو يقرئ عليك السلام ويقول لك: غير عتبة بيتك؛ فإني لم أرضها.
يقول ابن عباس: وكان إسماعيل عليه السلام كلما جاء سأل أهله: هل جاءكم أحد بعدي؟ فلما رجع سأل أهله فقالت امرأته: قد جاء بعدك شيخ فنعتته له فقال لها إسماعيل: قلت له شيئًا؟ قالت: لا قال: فهل قال لك من شيء؟ قالت: نعم, أقرئي عليه السلام وقولي له: غير عتبة بيتك فإني لم أرضها لك, قال إسماعيل: أنت عتبة بيتي فارجعي إلى أهلك, فردها إسماعيل إلى أهلها فأنكحوه امرأة أخرى.
يقول ابن عباس: ثم لبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث, ثم رجع إبراهيم فوجد إسماعيل غائبًا ووجد امرأته الآخرة3 فوقف فسلم فردت عليه السلام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أ، ب: "العرش" والمثبت رواية الأصل.
2 لدى ابن الأثير في النهاية: "نفس". وفي حديث إسماعيل -عليه السلام: "أنه تعلم العربية وأنفسهم" أي: أعجبهم, وصار عندهم نفيسًا.
3 كذا في الأصل أ، وفي ب: "الأخرى".

ص -35-         واستنزلته وعرضت عليه الطعام والشراب فقال: ما طعامكم وشرابكم؟ قالت: اللحم والماء قال: هل من حب أو غيره من الطعام؟ قالت: لا قال: بارك الله لكم في اللحم والماء.
قال ابن عباس: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"لو وجد عندها يومئذ حبا لدعا لهم بالبركة فيه, فكانت أرضًا ذات زرع".
ثم ولى إبراهيم -عليه السلام- وقال: قولي له: قد جاء بعدك شيخ فقال: إني وجدت عتبة بيتك صالحة فاقررها, فرجع إسماعيل عليه السلام إلى أهله فقال: هل جاءكم بعدي أحد؟ قالت: نعم قد جاء بعدك شيخ كذا وكذا قال: فهل عهد إليكم من شيء؟ قالت: نعم يقول: اني وجدت عتبة بيتك صالحة فاقررها.
ما ذكر من بناء إبراهيم -عليه السلام- الكعبة:
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني جدي, قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي, عن ابن جريج, عن كثير بن كثير, عن سعيد بن جبير قال: حدثنا عبد الله بن عباس قال: لبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث, ثم جاء الثالثة فوجد إسماعيل -عليه السلام- قاعدًا تحت الدوحة التي بناحية البئر يبري نبلًا أو نبالًا له, فسلم عليه ونزل إليه فقعد معه, فقال إبراهيم: يا إسماعيل, إن الله تعالى قد أمرني بأمر فقال له إسماعيل: فأطع ربك فيما أمرك، فقال إبراهيم: يا إسماعيل, أمرني ربي أن أبني له بيتًا، قال له إسماعيل: وأين؟
يقول ابن عباس: فأشار له إلى أكمة مرتفعة على ما حولها عليها رضراض من حصباء, يأتيها السيل من نواحيها ولا يركبها.
يقول ابن عباس: فقاما يحفران عن القواعد, ويحفرانها ويقولان: ربنا تقبل

ص -36-         منا إنك سميع الدعاء {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
ويحمل له إسماعيل الحجارة على رقبته ويبني الشيخ إبراهيم, فلما ارتفع البناء وشق على الشيخ إبراهيم تناوله قرب له إسماعيل هذا الحجر -يعني المقام- فكان يقوم عليه ويبني ويحوله في نواحي البيت, حتى انتهى إلى وجه البيت. يقول ابن عباس: فلذلك سمي مقام إبراهيم لقيامه عليه.
حدثني مهدي بن أبي المهدي، قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني, عن معمر, عن أيوب السختياني وكثير بن كثير -يزيد أحدهما على صاحبه- عن سعيد بن جبير في حديث حدث به, طويل عن ابن عباس قال: فجاء إبراهيم وإسماعيل يبري نبلًا له أو نباله تحت الدوحة قريبًا من زمزم, فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بولده, والولد بوالده.
قال معمر: وسمعت رجلًا يقول: بكيا حتى أجابتهما الطير. قال سعيد: فقال: يا إسماعيل إن الله عز وجل قد أمرني بأمر قال: فأطع ربك فيما أمرك قال: وتعينني؟ قال: وأعينك قال: فإن الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتًا ههنا, فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت.
حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم، قال: أخبرني ابن جريج قال: قال مجاهد: أقبل إبراهيم والسكينة والصرد والملك من الشام فقالت السكينة: يا إبراهيم ربض علي البيت؛ فلذلك لا يطوف بالبيت ملك من هذه الملوك ولا أعرابي نافر إلا رأيت عليه السكينة قال: وقال ابن جريج: أقبلت معه السكينة لها رأس كرأس الهرة, وجناحان.
وحدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن ابن جريج قال: قال علي بن أبي طالب: أقبل إبراهيم عليه السلام والملك والسكينة والصرد دليلًا حتى تبوأ البيت الحرام كما تبوأت العنكبوت بيتها, فحفر فأبرز عن ربض أمثال خلف الإبل لا يحرك الصخرة إلا ثلاثون رجلًا. قال: ثم قال لإبراهيم: "قم فابن لي بيتًا" قال: يا رب وأين؟ قال: "سنريك"

ص -37-         قال: فبعث الله تعالى سحابة فيها رأس يكلم1 إبراهيم, فقال: يا إبراهيم, إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة, فجعل ينظر إليها ويأخذ قدرها فقال له الرأس: أقد فعلت؟ قال: نعم, فارتفعت السحابة فأبرز عن أس ثابت من الأرض, فبناه إبراهيم عليه السلام.
قال: وحدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن أبان, عن ابن إسحاق السبيعي, عن حارثة بن مضرب, عن علي بن أبي طالب في حديث حدث به عن زمزم قال: ثم نزلت السكينة كأنها غمامة أو ضبابة في وسطها كهيئة الرأس يتكلم يقول: يا إبراهيم,, خذ قدري من الأرض، لا تزد ولا تنقص، فخط فذلك بكة وما حواليه مكة.
حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن وهب بن منبه أنه أخبر2 قال: لما ابتعث الله تعالى إبراهيم خليله ليبني له البيت, طلب الأساس الأول الذي وضع بنو آدم في موضع الخيمة التي عزى الله بها آدم -عليه السلام- من خيام الجنة حين وضعت له بمكة في موضع البيت الحرام, فلم يزل إبراهيم يحفر حتى وصل إلى القواعد التي أسس بنو آدم في زمانهم في موضع الخيمة، فلما وصل إليها أظل الله له مكان البيت بغمامة، فكانت حفاف البيت الأول، ثم لم تزل راكدة على حفافه تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد حتى رفع القواعد قامة, ثم انكشطت الغمامة فذلك قوله عز وجل:
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26] أي: الغمامة التي ركدت على الحفاف ليهتدي بها مكان القواعد, فلم يزل والحمد لله منذ يوم رفعه الله معمورًا.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال: أخبرنا حماد, عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، وفي أ: "يتكلم" وفي ب: "تكلم".
2 كذا في الأصل أ, وفي ب: "أخبره".

ص -38-         عن علي بن أبي طالب في قوله عز وجل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 96, 97] قال: إنه ليس بأول بيت, كان نوح في البيوت قبل إبراهيم, وكان إبراهيم في البيوت, ولكنه أول بيت وضع للناس {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} هذه الآيات قال: إن إبراهيم أمر ببناء البيت فضاق به ذرعًا فلم يدر كيف يبني, فأرسل الله تعالى إليه السكينة وهي ريح خَجُوج1 لها رأس حتى تطوقت مثل الحجفة فبنى عليها وكان يبني كل يوم سافا ومكة يومئذ شديدة الحر، فلما بلغ موضع الحجر قال لإسماعيل: اذهب فالتمس حجرًا أضعه ههنا؛ ليهدى الناس به.
فذهب إسماعيل يطوف في الجبال وجاء جبريل بالحجر الأسود, وجاء إسماعيل فقال: من أين لك هذا الحجر؟ قال: من عند من لم يتكل على بنائي وبنائك.
ثم انهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته قبيلة من جرهم، ثم انهدم فبنته قريش. فلما أرادوا أن يضعوا الحجر تنازعوا فيه فقالوا: أول رجل يدخل علينا من هذا الباب فهو يضعه، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر بثوب فبسط ثم وضعه فيه, ثم قال:
"ليأخذ من كل قبيلة رجل من ناحية الثوب" ثم رفعوه ثم أخذه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوضعه.
حدثني جدي قال: حدثني سفيان بن عيينة, عن بشر بن عاصم, عن سعيد بن المسيب قال: أخبرني علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة تدله حتى تبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها, فرفعوا عن أحجار الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى ابن الأثير في النهاية "خجج". في حديث علي -رضي الله عنه- وذكر بناء الكعبة "فبعث الله السكينة، وهي ريح خجوج، فتطوقت بالبيت" يقال: ريح خجوج أي: شديدة المرور في غير  استواء.

ص -39-         حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني, عن معمر, عن قتادة في قوله عز وجل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: 127] قال: التي كانت قواعد البيت قبل ذلك، قال الخزاعي: وحدثناه أبو عبيد الله بإسناد عن سفيان مثله.
حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله مولى بني هاشم قال: حدثنا أبو عوانة, عن ابن أبي بشر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: أما والله ما بنياه بقصة ولا مدر ولا كان معهما من الأعوان والأموال ما يسقفانه, ولكنهما أعلماه فطافا به.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن مجاهد عن الشعبي قال: لما أمر إبراهيم أن يبني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال لإسماعيل: ائتني بحجر ليكون علمًا للناس يبتدئون منه الطواف, فأتاه بحجر فلم يرضه فأتى إبراهيم بهذا الحجر ثم قال: أتاني به من لم يكلني على حجرك.
وحدثني جدي, قال: حدثنا داود بن عبد الرحمن, عن ابن جريج, عن بشر بن عاصم قال: أقبل إبراهيم من أرمينية معه السكينة والملك والصرد دليلًا يتبوأ البيت كما تبوأت العنكبوت بيتها, فرفع صخرة فما رفعها عنه إلا ثلاثون رجلًا فقالت السكينة: ابن علي فلذلك لا يدخله أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة.
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري البصري, عن حماد بن زيد, عن أيوب, عن أبي قلابة قال: قال الله تعالى: "يا آدم, إني مهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول  عرشي، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي" فلم يزل كذلك حتى كان زمن الطوفان فرفع، حتى بوأ لإبراهيم مكانه فبناه من خمسة أجبل من حرا، وثبير، ولبنان، والطور، والجبل الأحمر.
وحدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عمر بن سهل, عن يزيد بن

ص -40-         نافع, عن سعيد, عن قتادة في قوله عز وجل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ} [البقرة: 127] قال: ذكر لنا أنه بناه من خمسة أجبل من طور سينا، وطور زيتا، ولبنان، والجودي، وحرا، وذكر لنا أن قواعده من حراء.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء, عن عمر بن مرة عن يوسف بن ماهك قال: قال عبد الله بن عمرو: إن جبريل -عليه السلام- هو الذي نزل عليه بالحجر من الجنة، وإنه وضعه حيث رأيتم، وإنكم لن تزالوا بخير ما دام بين ظهرانيكم، فتمسكوا به ما استطعتم, فإنه يوشك أن يجيء فيرجع به من حيث جاء به.
حدثني جدي عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق قال: لما أمر  إبراهيم -خليل الله تعالى- أن يبني البيت الحرام أقبل من أرمينية على البراق معه السكينة لها وجه يتكلم، وهي بعد ريح هفافة، ومعه ملك يدله على موضع البيت حتى انتهى إلى مكة وبها إسماعيل, وهو يومئذ ابن عشرين سنة وقد توفيت أمه قبل ذلك ودفنت في موضع الحجر، فقال: يا إسماعيل,  إن الله تعالى قد أمرني أن أبني له بيتًا، فقال له إسماعيل: وأين موضعه؟ قال: فأشار له الملك إلى  موضع البيت قال: فقاما يحفران عن القواعد ليس معهما غيرهما, فبلغ إبراهيم الأساس أساس آدم  الأول فحفر عن ربض في البيت, فوجد حجارة عظامًا ما يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا، ثم بنى على أساس آدم الأول وتطوقت السكينة كأنها حية على الأساس الأول، وقالت: يا إبراهيم, ابن علي,  فبنى عليها فلذلك لا يطوف بالبيت أعرابي نافر ولا جبار إلا رأيت عليه السكينة, فبنى البيت وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعًا من الركن الأسود إلى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه, وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعًا، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني واحدا وثلاثين ذراعًا،

ص -41-         وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعًا؛ فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب.
قال: وكذلك بنيان أساس آدم عليه السلام، وجعل بابها بالأرض غير مبوب حتى كان تبع أسعد الحميري هو الذي جعل لها بابًا وغلقًا فارسيًّا، وكساها كسوة تامة ونحر عندها.
قال: وجعل إبراهيم -عليه السلام- الحجر إلى جنب البيت عريشًا من أراك تقتحمه العنز, فكان زربًا لغنم إسماعيل.
قال: وحفر إبراهيم -عليه السلام- جُبًّا في بطن البيت على يمين من دخله يكون خزانة للبيت, يلقى فيه ما يهدى للكعبة, وهو الجب الذي نصب عليه عمرو بن لحي هبل الصنم الذي كانت قريش تعبده وتستقسم عنده بالأزلام حين جاء به من هيت من أرض الجزيرة.
قال: وكان إبراهيم يبني وينقل له إسماعيل الحجارة على رقبته, فلما ارتفع البنيان قرب له المقام فكان يقوم عليه ويبني ويحوله إسماعيل في نواحي البيت, حتى انتهى إلى موضع الركن الأسود.
قال إبراهيم لإسماعيل: يا إسماعيل, أبغني حجرًا أضعه ههنا يكون للناس علمًا يبتدئون منه الطواف. فذهب إسماعيل يطلب له حجرًا ورجع وقد جاءه جبريل بالحجر الأسود, وكان الله عز وجل  استودع الركن أبا قبيس حين أغرق الله الأرض زمن نوح، وقال: "إذا رأيت خليلي يبني بيتي فأخرجه له".
قال: فجاءه إسماعيل فقال له: يا أبت, من أين لك هذا؟ قال: جاءني به من لم يكلني إلى حجرك, جاء به جبريل، فلما وضع جبريل الحجر في مكانه وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ تلألؤًا من شدة بياضه، فأضاء نوره شرقًا، وغربًا، ويمنًا، وشامًا، قال: فكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاب الحرم

ص -42-         من كل ناحية من نواحي الحرم.
قال: وإنما شدة سواده؛ لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية، والإسلام.
فأما حريقه في الجاهلية، فإنه ذهبت امرأة في زمن قريش تجمر الكعبة, فطارت شرارة في أستار الكعبة فاحترقت الكعبة واحترق الركن الأسود واسود وتوهنت الكعبة، فكان هو الذي هاج قريشًا على هدمها وبنائها. وأما حريقه في الإسلام ففي عصر ابن الزبير أيام حاصره الحصين بن نمير الكندي، احترقت الكعبة واحترق الركن فتفلق بثلاث فلق, حتى شعبه ابن الزبير بالفضة فسواده لذلك.
قال: ولولا ما مس الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها ما مسه ذو عاهة إلا شفي.
قال سعيد بن سالم: قال ابن جريج: وكان ابن الزبير بنى الكعبة من الذرع على ما بناها إبراهيم عليه السلام قال: وهي مكعبة على خلقة الكعب؛ فلذلك سميت الكعبة.
قال: ولم يكن إبراهيم سقف الكعبة ولا بناها بمدر, وإنما رضمها رضمًا1.
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: السكينة لها رأس كرأس الهرة، وجناحان.
حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا بشر بن السري قال: حدثنا قيس بن الربيع, عن سلمة بن كهيل, عن أبي الأحوص, عن علي بن أبي طالب قال: السكينة لها رأس كرأس الإنسان, ثم هي بعد ريح هفَّافة.
حدثنا مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا الفزاري, عن جويبر عن الضحاك قال: السكينة: الرحمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لدى ابن الأثير في النهاية "رضم" الرضام: دون الهضاب، وقيل: صخور بعضها على بعض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق