الأحد، 25 نوفمبر 2012

ما جاء في مناة, وأول من نصبها:

     ما جاء في مناة, وأول من نصبها:
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن إسحاق أن عمرو بن لحي نصب مناة على ساحل البحر مما يلي قديدا وهي التي كانت للأزد وغسان يحجونها ويعظمونها, فإذا طافوا بالبيت وأفاضوا من عرفات وفرغوا من منى لم يحلقوا إلا عند مناة, وكانوا يهلون لها ومن أهل لها لم يطف بين الصفا والمروة لمكان الصنمين اللذين عليهما نهيك مجاود الريح, ومطعم الطير.
وكان هذا الحي من الأنصار يهلون بمناة وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لم يظل أحدًا منهم سقف بيت حتى يفرغ من حجته أو عمرته، وكان الرجل إذا أحرم لم يدخل بيته، وإن كانت له فيه حاجة تسور من ظهر بيته لأن لا يجن رتاج الباب رأسه, فلما جاء الله بالإسلام وهدم أمر الجاهلية أنزل الله تعالى في ذلك:
{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة: 189] قال: وكانت مناة للأوس والخزرج وغسان من الأزد ومن دان بدينهم من أهل يثرب وأهل الشام, وكانت على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد.
وحدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرني محمد بن السائب الكلبي قال: كانت مناة صخرة لهذيل, وكانت بقديد.

ص -95-         باب ما جاء في اللات والعزى, وما جاء في بدوهما كيف كان:
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني جدي, عن سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, عن محمد بن السائب الكلبي, عن أبي صالح عن ابن عباس أن رجلًا ممن مضى كان يقعد على صخرة لثقيف يبيع السمن من الحاج إذا مروا فيلت سويقهم, وكان ذا غنم فسميت صخرة اللات فمات، فلما فقده الناس قال لهم عمرو: إن ربكم كان اللات فدخل في جوف الصخرة، وكان العزى ثلاث شجرات سمرات بنخلة, وكان أول من دعا إلى عبادتها عمرو بن ربيعة والحارث بن كعب, وقال لهم عمرو: إن ربكم يتصيف باللات لبرد الطائف، ويشتو بالعزى لحر تهامة، وكان في كل واحدة شيطان يعبد، فلما بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بعث بعد الفتح خالد بن الوليد إلى العزى ليقطعها فقطعها، ثم جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم:
"ما رأيت فيهن؟" قال: لا شيء، قال: "ما قطعتهن, فارجع فاقطع" فرجع فقطع، فوجد تحت أصلها امرأة ناشرة شعرها قائمة عليهن, كأنها تنوح عليهن فرجع فقال: إني رأيت كذا وكذا قال: "صدقت".
حدثني جدي, قال: حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج قال: أخبرنا محمد بن إسحاق أن عمرو بن لحي اتخذ العزى بنخلة, فكانوا إذا فرغوا من حجهم وطوافهم بالكعبة لم يحلوا حتى يأتوا العزى فيطوفوا بها ويحلوا عندها ويعكفوا عندها يومًا، وكانت لخزاعة. وكانت قريش وبنو كنانة كلها يعظمون العزى مع خزاعة وجميع مضر, وكان سدنتها الذين يحجبونها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم.
وقال عثمان: وأخبرنا محمد بن السائب الكلبي قال: كانت بنو نصر وجشم وسعد بن بكر وهم عجز هوازن يعبدون العزى، قال الكلبي: وكانت

ص -96-         اللات والعزى ومناة في كل واحدة منهن شيطانة تكلمهم, وترايا للسدنة وهم الحجبة, وذلك من صنيع إبليس وأمره.
حدثني جدي, عن محمد بن إدريس, عن الواقدي عن عبد الله بن يزيد عن سعيد بن عمرو الهذلي, قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة يوم الجمعة لعشر ليالٍ بقين من شهر رمضان,  فبث السرايا في كل وجه يأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الإسلام، فخرج هشام بن العاصي في مائتين قبل يلملم، وخرج خالد بن سعيد بن العاصي في ثلاثمائة قبل عرنة, وبعث خالد بن الوليد إلى العزى يهدمها, فخرج خالد في ثلاثين فارسًا من أصحابه إلى العزى حتى انتهى إليها فهدمها, ثم رجع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:
"أهدمت؟" قال: نعم يا رسول الله، قال: "هل رأيت شيئًا؟" قال: لا، قال: "فإنك لم تهدمها, فارجع إليها فاهدمها" فخرج خالد بن الوليد وهو متغيظ فلما انتهى إليها جرد سيفه فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة, ناشرة شعرها, فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري, فجعل يصيح بها ويقول1:
أعزاي شدي شدة لا تكذبي             أعزى ألقي بالقناع وشمري
أعزى إن لم تقتلي المرء خالدًا          فبوئي بإثم عاجل أو تنصري
فأقبل خالد بن الوليد بالسيف إليها, وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك      إني رأيت اللّه قد أهانك2
فقال: فضربها بالسيف فجزلها باثنتين, ثم رجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: "نعم تلك العزى, قد أيست أن تعبد ببلادكم أبدًا". ثم قال خالد: يا رسول الله, الحمد لله الذي أكرمنا بك وأنقذنا بك من الهلكة, لقد كنت أرى أبي يأتي العزى بخير ماله من الإبل والغنم فيذبحها للعزى ويقيم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كتاب الطبقات الكبير لابن سعد 5/ 32.
2 المصدر السابق، وما بين حاصرتين منه.

ص -97-         عندها ثلاثًا ثم ينصرف إلينا مسرورًا, ونظرت إلى ما مات عليه أبي وإلى ذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله وكيف خدع حتى صار يذبح لما لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الأمر إلى الله, فمن يسره للهدى تيسر له، ومن يسره للضلالة كان فيها" وكان هدمها لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان, وكان سادنها أفلح بن النضر السلمي من بني سليم؛ فلما حضرته الوفاة دخل عليه أبو لهب يعوده وهو حزين, فقال له: ما لي أراك حزينًا؟ قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدي، قال له أبو لهب: فلا تحزن فأنا أقوم عليها بعدك, فجعل أبو لهب يقول لكل من لقي: إن تظهر العزى كنت قد اتخذت عندها يدًا بقيامي عليها، وإن يظهر محمد على العزى -وما أراه يظهر- فابن أخي، فأنزل الله تبارك وتعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي  لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].
حدثني جدي قال: حدثنا سفيان بن عيينة, عن عبد الملك بن عمير, عمن حدثه قال: جاء حسان بن ثابت الأنصاري إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد فقال: يا رسول الله, ائذن لي أن أقول, فإني لا أقول إلا حقا، قال:
"قل" فأنشأ يقول:
شهدت بإذن اللّه أن محمدًا     رسول الذي فوق السموات من عل
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد" فقال حسان بن ثابت:
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما1      له عمل في دينه متقبل
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد" فقال حسان بن ثابت:
وأن الذي عاد اليهود ابن مريم           رسول أتى من عند ذي العرش مرسل
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد" فقال حسان بن ثابت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل، ومثله في الديوان وطبقات ابن سعد والأغاني، وفي أ، ب: "كليهما".

ص -98-               وأن أخا الأحقاف إذ يعذلونه1  يجاهد في ذات الإله ويعدل
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد" فقال حسان بن ثابت:
وأن التي2 بالجزع من بطن نخلة        ومن دانها فل عن الحق معزل
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد"3.
قال سفيان: يعني العزى, وأما مناة فكانت بالمشلل من قديد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل أ: "يعدلونه" بالدال المهملة. والمثبت من ب والديوان وطبقات ابن سعد والأغاني.
2 كذا في الأصل ب والديوان وطبقات ابن سعد. وفي أ "الذي" ومثله في الأغاني.
3 الطبقات الكبير لابن سعد 4/ 323، والديوان 305، والأغاني 4/ 152.
ما جاء في ذات أنواط:
حدثنا أبو الوليد, قال: حدثني جدي, عن محمد بن إدريس, عن محمد بن عمر الواقدي, عن معمر بن راشد البصري عن الزهري, عن سنان بن أبي سنان الديلي عن أبي واقد الليثي -وهو الحارث بن مالك- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها: ذات أنواط, يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ويعكفون عندها يومًا, قال: فرأينا يومًا ونحن نسير مع النبي -صلى الله عليه وسلم- شجرة عظيمة خضراء فسايرتنا من جانب الطريق فقلنا: يا رسول الله, اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم:
"الله أكبر، الله أكبر؛ قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} الآية, إنها السنن؛ سنن من كان قبلكم".

ص -99-         حدثني جدي, عن محمد بن إدريس, عن الواقدي قال: أخبرني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحسين, عن عكرمة, عن ابن عباس قال: كانت ذات أنواط شجرة يعظمها أهل الجاهلية يذبحون لها, ويعكفون عندها يومًا، وكان من حج منهم وضع زاده عندها ويدخل بغير زاد تعظيمًا لها, فلما مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين قال له رهط من أصحابه, فيهم الحارث بن مالك: يا رسول الله, اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، قال: فكبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "هكذا فعل قوم موسى بموسى عليه السلام".
ما جاء في كسر الأصنام:
حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي, عن محمد بن إدريس, عن محمد بن عمر الواقدي قال: أخبرني عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن عمرو الهذلي قال: لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة بث السرايا, فبعث خالد بن الوليد إلى العزى, وبعث إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الطفيل بن عمرو الدوسي, فجعل يحرقه بالنار ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبادكا      ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حششت النار في فؤادكا1
وبعث سعيد بن عبيد الأشهلي إلى مناة بالمشلل فهدمها, وبعث عمرو بن العاصي إلى سواع صنم هذيل فهدمه, وكان عمرو يقول: انتهيت إليه وعنده السادن فقال: ما تريد؟ قلت: هدم سواع قال: وما لك وله؟ قلت: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقدر على هدمه، قلت: لم؟ قال: يمتنع قال عمرو: حتى الآن أنت في الباطل ويحك! وهل يسمع ويبصر؟ قال عمرو: فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته ولم يجدوا فيه شيئًا, ثم قلت للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في ب، ومثله في كتاب الطبقات الكبير 2/ 145. وفي الأصل أ, الألف ساقطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق